الأحداث والأنشطة

لقاء قوة المهام في طمرة

بقلم: اون ريفمان

 

أصغيت له جيدا، شخص كبير السن محترم ولطيف، يبدو في صحة جيدة وبكامل قواه، يواصل الوقوف، في حين يبحث أفراد قوة المهام عن مكان مريح للجلوس.  بين أكوام الأوساخ والقمامة والنباتات العشبية التي تميز منتصف الشتاء في حرش الصنوبر الصغير الذي تم زرعه على خرائب قرية الدامون، بالقرب من العين المرممة. لم يكن من السهل علي الحضور إلى هنا، عندما أراني نضال في الفيسبوك الخاص به صورا من الجولات إلى قرية الدامون، شعرت بأنني أقف أمام عدو لدود، شخص مشغول بتعزيز الرواية الفلسطينية، تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية والعلاقة بالبلاد.  كيف يمكنني أن أتعاون معه؟ لكن بعد بضع دقائق، مضى هذا الشعور، ورأيت أمامي صديقا وأخا مرّ هو وعائلته بصدمة كبيرة، وجئت إلى الجولة برغبة في المعرفة والتعلّم.

قبل ذلك بعدّة دقائق، أثار كيس سوبرماركت كان موضوعا في زاوية التضييفات، ورسم عليه علم إسرائيل فيضا من المشاعر عندما طلبت إحدى المشاركات إخفاءه في مثل هذا اليوم، اقترحت أنا أن نعلقه أعلى السارية، أو على الأقل في وسطها.

كان الجو لطيفا، صباح شتوي متوسطي مع شمس لطيفة، لكن هذا الصباح بدأ بخبر مثير في الراديو. “أعلن الناطق بلسان الشرطة أنه قبل عدّة دقائق حصلت عملية دهس خلال هدم عدد من البيوت في قرية أم الحيران البدوية، قتل في العملية شرطي، كما تمت السيطرة على المخرب”.  أجهز نفسي للسفر شمالا لزيارة نضال، وأفكر كيف يحصل مرة أخرى أمر يبرز لهذا الحد التوترات في المجتمع الإسرائيلي، قبل اللقاء.  في هذه الأثناء، بدأت مجموع الواتس أب التابعة لـ “قوة المهام – العيش معا” بالاشتعال، أقرأ الرسائل، ويبدو كل شيء واضحا جدا، يحاول كل شخص الدفاع عن وجهة نظره، يتحدث المستوطنون واليمينيون عن عملية دهس، ويدافع العرب واليساريون عن البدو ويشككون في رواية الشرطة، الأمر الذي سيتضح لاحقا أنه كان شكا في مكانه، بينما يشعر البدو في المجموعة بالصدمة والألم. لاحقا، خلال اليوم، يستديرون عائدين إلى المنزل، بل إن أحدهم يترك المجموعة.

يتحدث البروفيسور راسم خمايسي معنا وفي فمنا طبخة من قمح، فروج وحمص قامت بإعدادها أم نضال. يدّعي خمايسي أن هنالك في إسرائيل “توجه جغرافي يقول إن هنالك حاجة للحد من سكن العرب قدر الإمكان، وأن مشروع الدولة اليهودي القومي بنى نفسه على التنكر للآخر”.  بحسب أقواله، “هذا التوجه خطير على اليهود”. يقترح خمايسي أن ننتقل من الصدام بين التوجهات إلى تنسيق التوجهات – “بالإمكان التنسيق والتوصل إلى اتفاقيات حتى في الأماكن الأكثر قدسية”، وفي النهاية دعا إلى التوقف عن الخوف والرعب من كلال الطرفين.  وفي حين كان ما يزال يتحدث وأنا أفكر بالخوف الوجودي الذي داهمني في ظل المنشورات في الفيسبوك الخاص بنضال حيث يظهر علم فلسطين في الخلفية، ينشأ لدي، لأول مرة، فهم للمشاعر التي من الممكن أن يشعر بها المواطنون العرب والبدو في مثل هذا الصباح عندما يرون علم إسرائيل، الذي يرمز بالنسبة لهم – من ضمن ما يرمز – لفقدان الحلم، الحكم العسكري والاحتلال.

أما أنا، فقد أسرني أبو كمال.  قصصه ممتعة وتدور في أيام مضت، وبالإمكان الاستماع إليها دون توقف، رأيته وتذكرت جدي وقصص البلماح. فوجئت بأن أبو كمال لم يشكُ ولم يتحدث كلاجئ.  كان بالإمكان سماع أنه يشعر بأنه ابن البلاد ومواطن في الدولة، بل حتى مواطن فخور. شخص بنى حياته بيديه. الطفل الذي كان يذهب كل يوم إلى عين الدامون لجلب الماء في الجرة لأمه ولعائلته سيرا على الأقدام، يتذكر كل البيوت والعائلات على امتداد الطريق، أصبح شابا نبت من قلب قرية تم تدميرها، واقترح على والده بناء منزلهم الجديد بيديه، ومن هنا ربما يكون قد اكتشف ما جاء للدنيا من أجله، وأصبح مقاول بناء كبير. “لماذا هربت من القرية؟  ” سألته. “خفنا من اليهود واعتقدنا أننا سنكون آمنين في مركز الجليل، بل إنهم في سخنين كانوا يملكون آلة إطلاق نار”، “ليس هنالك احتمال لوصول اليهود إلى هناك!  ” هذا ما قاله كبار الدامون ليلة المغادرة. ” لماذا هدموا قرية الدامون وليس طمرة (الموجودة على بعد 2 كم إلى الشرق)؟  ” سألته أيضا، “ربما توصلوا معهم إلى اتفاقات، نحن اعتقدنا أن العرب سينتصرون”، أجاب أبو كمال.  “هل فعلا اعتقدتم أنكم ستنتصرون وأن اليهود لن يصلوا إلى مركز الجليل؟؟؟” سألت مجددا بصورة استنكارية، وأجاب أبو كمال – “نعم”.

سألت نضال عن الفرق بين جيل أبو كمال الذي كان يبلغ من العمر 8 سنوات في فترة الحرب (حرب الاستقلال) وبين جيله، فإجاب نضال أنه “أخيرا استجمع الكبار الشجاعة، وأصبحوا يرغبون برواية القصة”. جيلنا لم يعد يخاف بعد، في “النكبة” سرقتم أراضينا، وكمواطن في الدولة أطالب باستعادتها.  عام 2008 بدأ نضال وأصدقاؤه بإجراء جولات في خرائب قرية الدامون في يوم النكبة، وفي العام 2015 بدأوا بالاحتفال بليلة العودة إلى الدامون.  “ما المشكلة في أن يتم بناء بلدة جماهيرية لنا هناك؟ ” يتساءل نضال. “لدي أملاك هناك، أملاك أخذت مني.  لماذا بإمكان الكيبوتسات استخدام الأرض للحقول والزراعة، وليس بإمكاني أن أسكن هناك كمواطن في الدولة.  بل إنني أتنازل لهم عن رسوم استخدام أرضي لمدة 70 عاما كما يجب بموجب القانون”.  “أنا حفيد عضو في البلماح”، قلت لنضال في الجولة الختامية، “أعلم أن جدي وجدتي هدموا قرية تم تركها في منطقة النقب”، قلت بصوت حذر لكن واثق، “ليس لدي شك بأن أصدقاءهم وزملاءهم في الشمال اهتموا بألا يبقى حجر على حجر في الدامون، ربما عدا العين التي بإمكانها المساعدة في الزراعة”.  هنا توقفت للحظة، وسألت مجددا “كيف بإمكاننا أنا وأنت أن نعيش معا؟  ” سألت بألم. “علينا جميعا أم نتعلم كيف نسامح” أجاب، ولم يضف شيئا.

Accessibility Toolbar